أخبار دوليةأخبار عربيةأخبار مصر

لواء أيمن مهنا يكتب:” العقل الراصد”

حروف ترصد تاريخ كتب بمداد الفتن والدم

العقل الراصد

حروف ترصد تاريخ كتب بمداد الفتن والدم.

لواء أيمن مهنا

كان ظهور جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 بمثابة إعادة إحياء لفكر الخوارج، الذين يمكن وصفهم بأنهم أول جماعة إرهابية متطرفة في التاريخ الإسلامي. فالعديد من المؤسسات الدينية الرسمية ترى أن “جماعة الإخوان الإرهابية خوارج العصر؛ بالنظر إلى أنها تنشر الدمار والخراب باسم إقامة الدين، وأنها لم تقدم عبر تاريخها أي منجز حضاري يخدم الأوطان، غير الفتن والتحريض على العنف، فضلًا عن كونها أول من كرست لفكرة التمايز الديني داخل المجتمعات الإسلامية، ورفض فكرة التعايش السلمي وقبول الآخر، وخلق مجتمعات موازية للمجتمعات التي تعيش فيها، يكون الولاء فيها لنهج الجماعة وليس للإسلام، ما أسهم بعد ذلك في بروز العديد من الجماعات الإرهابية على الساحة، منها تنظيمات عابرة للحدود، على غرار تنظيميْ القاعدة وداعش”[1].

فجماعة الإخوان تدعي قيامها على مبادئ الإسلام، لكنها في الحقيقة تثير الفتن والاضطرابات والقلاقل باستحلال الدماء والأموال بين أبناء المجتمع الواحد تحت دعاوى مختلفة، منها التكفير للحاكم أو للدولة أو لطوائف معينة من الناس، ومنها استحلال دماء المسلمين تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو استحلال دماء غير المسلمين في بلادهم، أو أولئك الذين دخلوا البلاد الإسلامية؛ بدعوى أن دولهم تحارب الإسلام، وهذه الأفعال التي يفعلها المتطرفون باسم الجهاد والدعوة إليه تُعَدُّ من كبائر الذنوب[2].

تستعرض هذه الورقة أبرز التهديدات التي تشكلها جماعة الإخوان المسلمين على الدول والمجتمعات، لاسيّما وأنها جماعة متطرفة تَتَّسِم بالازدواجية بين الخطاب العلني والخطاب الداخلي. ففي حين تدّعي أمام المجتمع الدولي تبنّيها للديمقراطية، فإن الوثائق والتسريبات والخطابات الداخلية تُظهر سعيها لإقامة ما يُسمى بالخلافة الإسلامية ورفض الدولة المدنية الحديثة، ويمكن تحديد أبرز تهديدات الجماعة في النقاط التالية:

العداء للدولة الوطنية: النصوص المؤسسة لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تتعلق بمفهوم الدولة الوطنية، تشير الى رفض الجماعة لمفهوم الدولة الوطنية، والاعتقاد بأن الصورة الوحيدة الصحيحة للدولة هي دولة الخلافة، وما سواها من أشكال وأنماط الدول إنما هي من صنع الاستعمار للقضاء على وحدة المسلمين وقطع الطريق على عودة الخلافة، وبالتالي يجب عدم القبول بها أو الخضوع لها، إذ إن جماعة الإخوان تعتقد أن هناك نموذجًا للحكم مُعَدًّا مسبقًا وهو الخلافة، يجب على المسلم تطبيقه واتباعه، وغير مسموح بالبحث عن نموذج آخر، ما دام غير نموذجهم[3]. ومن جهة أخرى، فإن كل التنظيمات الإرهابية والمتطرفة الموجودة على الساحة تقريبًا -وخاصةً تنظيميْ القاعدة وداعش- قد استلهمت عداوتها تجاه الدولة الوطنية من جماعة الإخوان المسلمين، بما فيها فكرة أن الخلافة هي النموذج الوحيد للدولة، وبالتالي بدأت هذه التنظيمات تسير على درب الجماعة في القضاء على الدولة الوطنية وهدمها من الداخل، سواء من خلال نشر الفتن أو ممارسة العنف والإرهاب ضد الدول ومؤسساتها ومواطنيها، وذلك بدعوى إعادة الخلافة الإسلامية التي تصفها جماعة الإخوان بأنها تمثل رُكنًا من أركان الدين الإسلامي من منظورهم[4].

العمل على تفكيك الدول من الداخل: ناصبت جماعة الإخوان المسلمين الدولة الوطنية العربية العداء منذ نشأتها، واعتبرتها حجر عثرة في طريق وصولها إلى الحكم، وحاربت أسسها ومبادئها الحداثية، بوصفها مخالفة لأسس نوعية تَدَيُّن الجماعة، ولمبادئ هذا التَّدَيُّن التي اختصرت الإسلام فيها، وصادرته لحساب الإخوان. وبالتالي تعتقد الجماعة -ومن خلفها التنظيمات والجماعات التي خرجت من تحت عباءتها- أنه يجب العمل على هدم الدول الوطنية، عبر تفكيكها من الداخل للقضاء عليها. ومن هنا فإن الإخوان المسلمين يستغلون المشاكل والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في الدول، للتحريض على الدول ومؤسساتها. فبعد الانتفاضة الشعبية في مصر عام 2011، برز بوضوح استغلال الجماعة للزخم الشعبي، والتحالف مع قوى خارجية لتفتيت المجتمع وتفكيك مؤسسات الدولة، حيث شرعوا في حملات لتقويض الجيش والقضاء والإعلام، وذلك في محاولة لتفكيك الدولة عبر العمل على إضعاف جبهتها الداخلية. وبرز دور جماعة الإخوان في تلك الفترة الزمنية في العديد من الدول العربية، ليس بوصفها داعمة لتطلعات الشعوب نحو الحرية والديمقراطية، بل باعتبارها فاعلًا سياسيًّا يسعى للانقضاض على الدول، واستغلال الفوضى للوصول إلى السلطة، ولو على حساب خراب الأوطان.[5] لذا لا ينبغي أن ننخدع بأي تَبَدُّل في خطاب الجماعة، ولا في مزاعمها بأنها تقبل بالدولة الوطنية وأنها تسعي للحفاظ عليها، فذلك ليس إلّا مظهرًا من مظاهر الخداع السياسي، غايته كسب التعاطف، واختراق المجتمعات، وتهيئة الطريق للوصول إلى السلطة.[6]

رفض فكرة المواطنة: تُعَدُّ قيمة المواطنة من بين أهم ما تتميز به الدولة الحديثة، إذ إن المواطنة هي “العلاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، فالمواطنة -بمفهومها العام- تبقى هي الإطار الذي يجمع ويربط بين كل المواطنين، على أساس المساواة في الحقوق والواجبات، بمعزل عن انتماءاتهم الدينية والثقافية. أمّا بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين المتطرفة فإن الوضع مختلف، حيث فصلت الجماعة مفهوم المواطنة عن علاقة الفرد بالدولة، لأن نظام الدولة -في تصورهم- يرتبط بنظام دولة “الخلافة”، ولهذا فإن المواطنة عند الإخوان قائمة على أساس الدين والعقيدة، مثلما أعلن حسن البنا صراحة بقوله: “أمّا وجه الخلاف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة، وهم يعتبرونها بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية. فكل بقعة فيها مسلم يقول لا إله إلّا الله محمد رسول الله وطنٌ عندنا له حرمته وقداسته[7]. فتاريخ جماعة الإخوان المسلمين يؤكد أنها ضد فكرة المواطنة وضد فكرة الديمقراطية، وأنها حركة تعمل منذ نشأتها على هدم الأوطان من أجل إنشاء وطن جديد يقوم على «أيديولوجيا التنظيم»، فكل من هو خارج التنظيم هو خارج دولتهم المنشودة[8].

ممارسة العنف والإرهاب: تُعَدُّ جماعة الإخوان من أول التنظيمات المتطرفة في العصر الحديث التي مارست الإرهاب والعنف في وقت مبكر، وذلك عبر تأسيسها لما يُسمى بالتنظيم الخاص، وهي الفكرة التي تلقَّفتها منها التنظيمات الإرهابية الأخرى، حيث شرعت في تأسيس ما كانت تطلق عليه مصطلح الجناح العسكري على غرار تنظيم الجماعة الإسلامية في مصر، فالتنظيم الخاص للإخوان المسلمين كان جناحًا سريًّا مسلحًا، استخدم العنف والاغتيالات لتحقيق أهداف سياسية للجماعة باسم الدين، وله تاريخ مليء بالجرائم السياسية والعنف الممنهج. ودراسة هذه الجرائم أمر ضروري لفهم كيفية تحول بعض الحركات من العمل السياسي والاجتماعي إلى العنف والإرهاب[9]. وقد بدأت بعض الدول تدرك مخاطر جماعة الإخوان، لاسيّما الدول الأوروبية التي كثيرًا ما ترفع شعارات الحرية، على غرار بريطانيا التي تُعَدُّ بمثابة مأوى للعديد من عناصر جماعة الإخوان وقياداتها، حيث خلصت مراجعة أجرتها الحكومة في أمر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ونشرت نتائجها، إلى أن الانتماء للجماعة أو الارتباط بها ينبغي اعتباره مؤشرًا محتملًا على التطرف[10].

نشر الأفكار المتطرفة: إن “أخطر ما نواجهه جميعا في تلك المرحلة، وما تواجهه دولنا وأوطاننا، هو الفكر المتطرف، وانتشار تيار متطرف يتبنى فكر التكفير وحمل السلاح؛ جراء منظومة فكرية عامرة بالأفكار المغلوطة”. وقد عملت جماعة الإخوان منذ فترة طويلة على نشر أفكارها المتطرفة عبر آليات عدة، منها المساجد والمراكز التعليمية التي كان يُدَرَّس فيها أفكار حسن البنا مؤسس الجماعة، وسيد قطب، وغيرهم من رموز جماعة الإخوان المسلمين، إضافة الى تلقين الشباب بعض المفاهيم الهدامة على غرار الحاكمية والجاهلية[11]. وعلاوة على ذلك، تكرس الجماعة في عقول الشباب أنها -هي فقط- من يمثل الدين، وأن أي نقد لها هو نقد للإسلام، وأن وصولها للحكم هو فرض وركن من أركان الدين الإسلامي. وربما هذا ما عبر عنه حسن البناء بقوله: “الوصول إلى السلطة ركن من أركان الإسلام مثل الصلاة والزكاة”، وكذلك “حق الإخوان بشن حرب لا هوادة فيها على كل زعيم لا يحكم بما أمر الله”[12]. لذا، فإن الفكر الإخواني المتطرف يفرض طاعةً عمياء، هذه الطاعة العمياء تُفضي إلى سلب الحقوق، وإقصاء الآخر، ومصادرة الضمائر، وانتهاك حرمات الأوطان، وتطبيق مبادئ الفكر الإقصائي.

أهمية المواجهة الفكرية: إن مواجهة هذه الجماعات لا تكتمل بالأمن والسياسة فقط، بل تحتاج إلى جبهة فكرة واعية؛ فالمعركة الفكرية هي التي تكشف زيف خطابهم. وفي هذا السياق يمثل ما يقوم به مركز تريندز للبحوث والاستشارات قيمة استثنائية؛ إذ يعكس وعيًا استراتيجيًّا بخطورة هذه الجماعات، وضرورة التصدي لها عبر المعرفة والبحث والتحليل، وهو جهد لا يقل أهمية عن المواجهات الأمنية والعسكرية.

ضمن هذا السياق، تأتي أهمية منتدى تريندز السنوي الخامس حول الإسلام السياسي، الذي تستضيفه العاصمة الإماراتية أبوظبي يوم 16 سبتمبر 2025، حيث يناقش موضوع مشتركات العنف بين الجماعات المتطرفة والإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي تُعَدُّ الجماعة الأم التي خرج من عباءتها باقي التنظيمات الإرهابية. وسيكون المنتدى فرصة مهمة لتبني تصورات وتوصيات تعزز من جهود مواجهة هذه التنظيمات والجماعات، وتقديم مقاربات حديثة ومبتكرة في هذا الصدد. ومن التوصيات التي أراها مناسبة وأطرحها على أجندة المنتدى ما يلي:

تعزيز الخطاب الفكري والإعلامي الموازي، الذي يُفكك سرديات الإسلام السياسي ويُبرز تناقضاتها

تدعيم الدولة الوطنية باعتبارها الحصن الحقيقي في مواجهة هذه المشاريع

توسيع التعاون الدولي لرصد أنشطة هذه الجماعات في الغرب والشرق على السواء

إعداد برامج تدريبية وتوعوية للشباب لحمايتهم من التجنيد وتحصينهم ضد عمليات غسل العقول

تمكين مراكز البحوث والدراسات -مثل تريندز- ودعم جهودها في توفير المعرفة العلمية لمتخذي القرار

في النهاية، يمكن القول إن وجود جماعة الإخوان المسلمين في أي دولة أو مجتمع يشكل خطرًا عليها، كونه يهدد وحدتها وتماسكها، كما أنه يُشَكّل خطرًا على الدولة الوطنية الحديثة في بُعْدِها الشامل، وبخاصّة البُعْد الفكري. فالدولة المُتَصَوَّرَة في عقول الإخوان قائمة على مفاهيم وقِيَم مناهضة لتلك التي تتأسس عليها الدولة الوطنية. ومن ثم فإن تواجد الجماعة في أي دولة وطنية يمثّل عائقًا يحول دون استكمال قواعد بنائها. وهو ما يجعل جماعة الإخوان المسلمين تشكل تهديدًا للأمن القومي للدول، من منطلق سعيها لزعزعة الاستقرار ونشر الفتن، وتوظيفها للدين لخدمة أهدافها السياسية، وتجنيد الشباب للعمل ضد مجتمعاتهم ودولهم.

وفي عالم يتسم بعدم اليقين، تصبح اليقظة في مواجهة جماعات الإسلام السياسي ضرورة وجودية، ويصبح توحيد الجهود الفكرية والسياسية والأمنية هو السبيل للحفاظ على استقرار المجتمعات، وضمان مستقبل تتأسس فيه الدولة الوطنية ككيان صلب أمام رياح الفوضى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة