تأملات في الذات: قلم دكتورة/ إيناس فرحات

تأملات في الذات: قلم دكتورة/ إيناس فرحات
الحياة … كم هي عجيبة! تتحدث إلينا طيلة الوقت … بلغة ربانية غير منطوقة … تدفعنا إليها، تارة باليسر وتارة بالعسر، في دروب غير مطروقة. كيف لنا أن نفهم لغة دون أن نتعلم مفرداتها! وإذا لم نتعلم مفردات الحياة كيف لنا أن نجتاز اختباراتها! وكيف لنا أن نقدر على تحمل أمانة الحياة إذا لم نقدر على تحمل أمانة أنفسنا! أمانة هذه الروح المبثوثة لأجل وحين داخل أجسادنا الفانية!
لا ينجح شئ في إعادة صلتنا بالحياة مثلما يفعل المرض. وحده يستطيع أن يجعل الروح تدب من جديد في هذا الجسد … هذا الكيان المتمرد كثير التساؤل … كيف له أن يتعلم مزيد من التسليم ومزيد من الإنصات ومزيد من التساهل؟ إلى هذه الدرجة يمكن أن تستفزنا الحياة؛ تستفزنا بهذا الحب الذي تستفز به الأم طفلها ليستيقظ من النوم. وتستمر الحياة يوماً بعد يوم في هذا التحريض وتنقلنا من نقيض إلى نقيض إلى أن نكتسب القدرة على التعلم … يعلمنا المرض، كأحد أسباب الحياة، أن ننصت أكثر مما نتكلم … ننصت إلى ما تهمس به الحياة في هذا الجسد … ما الذي يجعله يهدأ وما الذي يجعله يتألم … ننصت إلى الروح المحركة لهذا الجسد فتجعله أكثر رحابة من حدوده المادية. عجيب هو هذا الجسد الذي دبره خالق الوجود بقوانين التناقض والنسبية والجاذبية! كيف لنفس الخلايا التي تدافع عن جسم الإنسان أن تكون بهذا القدر من العداء؟ كيف يخلق الله الدواء من الداء كما يخلق النور من قلب الظلام؟ كيف لكرات حمراء صغيرة تطوف الجسد ليل نهار لتحمل الأكسجين وتسهم في البناء أن تتحول إلى نيران صديقة تهدد البقاء وتشكل خطراً على الحياة! يعلمنا المرض كيف يتحقق التوازن مع هذا الكم من التناقضات … وكيف أن إرادة الإنسان الحقيقية تكمن في انسجامه مع كل ما تأتي به الحياة من تحديات. والحق أننا لا ندرك جيدا كم أن هذي الحياة عزيزة! وأن الكفاح من أجل البقاء لا يحدث بالغريزة، إنما يتطلب وعي وصبر واصرار. يعلمنا أن الحياة قرار … فسبحان الله ! ما أبدع نظامه! خلق كل شئ بمقدار … وجعل أمانة الحياة اختيار … فطوبى لمن أحسن نية وعملاً فاستحق الحياة و استحق النجاح في هذا الاختبار.
تأملات في الذات
بقلم إيناس فرحات.