فــرج الله ! قلم الدكتورة إيناس فرحات

فــرج الله ! قلم الدكتورة إيناس فرحات
كنا صغاراً نسمع كبارنا يتمتمون لنا بابتسامة حنونة حين نلح طلباً لشئ ما “إن شاء الله … حين يأتي فرج الله”. وكنا نسمع هذه الكلمة كثيراً في بيتنا فتتسع عيوننا وتكبر أحلامنا… وسرعان ما ترتبط الجملة في أذهاننا بإبتسامتهم ونبرات صوتهم تحمل تأكيد بقدر ما تحمل رجاء، فنظن أن “فرج الله” رجل كريم واسع العطاء سيأتي يوماً ما ويمنحنا في سخاء كل ما نتمناه. وكان هذا يدفعنا للتسليم لرغبتهم في تأجيل طلباتنا … تسليم مقرون بتوقع وشوق لقدوم هذا الزائر العزيز والمهم في حياتنا… فننتظر وأعيننا على باب البيت في صبر وأناة … وقلوبنا ممتلئة بشغف بكر وتوق بريئ لما يحمله لنا فرج الله.
وظل فرج الله لا يأتي كثيراً … ولكن ظلت فكرة التوقع والارتقاب داخل قلوبنا، تغذيها ابتسامة الأب والأم الحنونة ، ولا عجب … فالطفل ببراءة يقرن مشاعر السعادة والخير والاطمئنان بالبسمة ويقرن كل ما هو مؤلم ومحزن بغيابها. وكانت قلوبنا مطمئنة واثقة بأن فرج الله لاريب آت. وفي يوم ما صحونا ورأينا أن كل طلباتنا المؤجلة قد تحققت ! ووجدنا الخير يملأ البيت … عرفنا أن “فرج الله” أخيرا جاء … وأنه حقا رجل عظيم شديد الكرم والسخاء … وهو يأتي حين نكون نائمين على الأرجح. وعرفنا أيضا أنه لا يأخذ ميعاد ويأتي فجأة دون سابق انذار … كما عرفنا أن انتظار قدوم “فرج الله” ليس بهذا السوء … تعلمنا الصبر والانتظار … حيث أن “فرج الله” سيأتي حتما يوما ما ويجلب معه هداياه … وكان قد استقر في أذهاننا أنه الرجل الذي يأتي بكل شئ.
وكانت هناك أيام يكون “فرج الله” قليل الزيارة … وكنا نسأل والدينا بشغف ودهشة “لماذا لم يأت فرج الله … هل هو مريض؟!” … كانا ينظران إلينا بحنان ويبتسمان ، ويقولان لنا بيقين واطمئنان “غدا يأتي فرج الله”… فنذهب إلى عالمنا المليء بالأحداث والأشغال وقلوبنا مستريحة ولكنها مفعمة بشوق وترقب.
وفي يوم من الأيام خرجنا نبحث عن “فرج الله” … وتوقعنا ألا يكون الأمر عسير، حيث من المفترض أن الكبار جميعهم يعلمون من هو “فرج الله” … ولكن كانت المفاجأة أن أحدا أبداً لم يعلم مكانه ، فكلما سألنا أحدهم ابتسم وقال لنا أن نذهب إلى بيتنا. وأدركنا وقتها أن هناك أمور غريبة لا نفهمها في هذه الحياة … ومنها أين يسكن فرج الله. ولكن ظلت زيارة فرج الله أمل وحلم، حتى لو لم نفهمه تمام الفهم. ومضت طفولتنا بهذه الطريقة.
وحين كبرنا أدركنا الحقيقة. ولم تكن الحقيقة بعيدة تمام البعد عن إدراكنا الفطري الساذج البريء. فعلاً فرج الله هو الملاذ في كل أمورنا في الحياة … المدد النابع من الإرادة العليا النافذة في هذا الكون فتسيره وتيسره بحكمة ورحمة وميزان. حين كبرنا تعلمنا سر عدم قدوم فرج الله قبل أوانه ولماذا لم نكن نعرف عنوانه … ولماذا كانت إجابة والدينا تحمل تأكيد وثقة واطمئنان … وكان هذا السر يكمن في شئ واحد … التسليم … وتعلمنا أن التسليم هو الثقة في مشيئة الخالق، فرحمته وسعت كل شئ وحكمته بلا حدود… وأن الله دوماً عند ظن عبده به، وإيماننا به حبل ممدود … ففي كل مرة نقترب منه بالثقة والتسليم والصبر واليقين يقترب … ونظل في سعينا على خطاه، مؤمنين بحكمته، معتصمين بحبل رحمته … ثم يأتي فرج الله يوم ما في وقت لا يعلمه سواه … دون ميعاد… من حيث لا ندري ولا نحتسب!
تأملات في الذات
بقلم إيناس فرحات