مؤتمر تنظمه لجنة الجغرافيا بـ”الأعلى للثقافة” والجمعية الجغرافية البيئة من أجل السعادة

 

كتب – محمود أمين:
تنظم لجنة الجغرافيا والبيئة بالمجلس الأعلى للثقافة بالتعاون مع الجمعية الجغرافية المصرية المؤتمر العلمي حول “البيئة من أجل السعادة” تحت رعاية الدكتورة نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، بمشاركة نخبة من علماء الجغرافيا والبيئة والصحة في مصر وبدأت الجلسة الافتتاحية بكلمة لكل من الدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة , والدكتورعبد المسيح سمعان – مقرر لجنة الجغرافيا والبيئة بالمجلس, والدكتور محمد السديمي رئيس الجمعية الجغرافية المصرية.


وبدأ الدكتور عبد المسيح سمعان حديثه بالإشارة إلى شعار البيئة العالمي “لا للتلوث البلاستيكي”، الذي يعني أننا سنسير على طريق السعادة لو تم تنفيذه، ففي ظل الحديث الممتد عن البيئة ومشكلاتها ينبغي أن نثق أن البيئة أحد مصادر السعادة، لا الكآبة.
وأوضح سمعان أن السعادة هي بالأساس حالة من الرضا والارتياح والانسجام الداخلي بين المشاعر، وكذلك فإن السلوكيات والصحة النفسية تزيد شعور الإنسان بالسعادة، مثلما تفعل العلاقات الاجتماعية والإنجازات الشخصية، ولا يغيب دور الثقافة في تحديد مفهوم السعادة، فبعض الثقافات تعد النجاح والتحقق هو كنبع الشعور بالسعادة، وأخرى ترى أن الظروف الاقتصادية هي جوهر السعادة، والصحة الجيدة.
وأضاف أن مفهوم السعادة يختلف من شخص إلى آخر، وليس هناك معيار واحد لتحقيق السعادة، والذي يتم بالتركيز على الجوانب الإيجابية، وتشير الدراسات إلى اختلاف وتنوع مصادر الشعور بالسعادة، ولكن لا يختلف أحد على كون البيئة من أهم تلك المصادر.

أعرب الدكتور هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية عن مدى سعادته بعنوان المؤتمر قائلًا: ربما تكون السنواتُ الأخيرة قد شهدت اهتمامًا عالميًا بقضية البيئة التي كان يتم التعامل معها من قبل على أنها مظهر جمالي، ولم ندرك قيمتها الحقيقية إلا الآن، أو لعل انشغالنا في قضايا أخرى جعلنا نهمل الاهتمام بالشيء الأساسي في وجودنا “البيئة”.
فلم يعد الحديث عن البيئة وتأثيراتها على كل من يعيشون فيها ترفًا، بل أضحى ضرورةً ملحة خاصة لبني البشر الذين كانوا أول من أساءوا لها أو أهملوها على أقل تقدير، بما أدى إليه ذلك من انعكاساتِ سلبية كان الإنسانُ نفسهُ هو أول ضحاياها.

ضوابط ومحددات
وأوضح عزمي إن الربطَ بين البيئةِ والإنسان، كان جليًّا منذ خلق اللهُ سبحانه وتعالى الأرضَ والكائناتِ الحية، وبعثَ الإنسانَ، كي ينعم بخيراتها ضمن ضوابط ومحددات، أهمها الحفاظ على التوازن البيئي، وقبِل الإنسانُ مركز «خلافة الله»، تلك الأمانةُ التي عرضها الله سبحانه وتعالى على السموات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها، فالحفاظ على التوازن البيئي والكوني مهمةُ لن يمارسها إلا من له رجاحةُ في العقل، ويتصف بالحرص على استدامة الحياة والرفاهية والسعادة بين الأجيال المتعاقبة، كما ورد في الآية «72» من سورة الأحزاب: “إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسانٌ إنه كان ظلوماً جهولاً”.
إلا أن الإنسانَ وبعد قَبوله حمل الأمانة، أشار إليه الله سبحانه بكونه “ظلوماً جهولاً”، لأن حملَ الأمانة يعني الحرص وعدم الاستجابة لكل المغريات التي تقدمها الأرضُ للإنسان، وتحوله إلى الإسراف والاستنزاف والتدمير وهي آفات عانى منها الإنسان وما يزال.
فلقد تحول الإنسانُ من حامل للقيم والسلوك الحميد المطلوب منه، كي يصون الأمانة، إلى وحش كاسر، لا يهمهُ المستقبل وحقوق الأجيال المقبلة في عطاء الموارد الطبيعية، ولكي يعود التوازن، لا بد من مراجعة النهج الحالي وتصويب المسار، وعندما ينعم الجميعُ بخيرات التوازن الكوني والبيئي وتعود الأمورُ إلى صحيحِ نصابِها ستكون
النتيجةُ الطبيعيةُ أن تعمَ السعادةُ.

وأشار هشام إلى أنه ما زال يذكر أيام الصبا، حينما كان يزرعُ نبتةً من بذور فول صغيرة على قطعةٍ من القطن الُمبلل لتنمو وتترعرع أمامنا، أو تربية مجموعة من دود القز نراقبها وهي تنسجُ شرنقتها بخيوط حريرية لتبدأ دورةُ حياةِ جديدة… أشياءُ صغيرةُ ربطتنا ببيئتنا، وعلى الرغم من بساطتها كانت مبعثًا حقيقيًّا للسعادة، والأهم أنها كانت تُعرفنا على أنواعِ الكائنات والنباتات من حولِنا وكيفيةِ التعاملِ معها، وعدم إيذائها والاعتناء بها بأكبر قدر ممكن، غير أن الدرسَ الأكبر أنها أكسبتنا يقينًا أن ما نزرعه الآن هو الضمان الحقيقي لوجودنِا، والسبب الذي سيجعل أولادنا يثمنون ما نفعله، فالأرض والبيئة ليست ملكاً لنا وحدنا، بل هي إرثُ يجب أن نورثهُ بأفضل صورةٍ لأبنائِنا وأحفادنِا من بعدنا.
وأوضحً عزمي أن البشرُ يسعون جاهدين ليكونوا سعداء. ويعتقد كثيرون أن الرغبة في السعادة هي الدافع وراء معظم ما نقوم به، سواء كان ذلك من خلال الانخراط في أنشطة ممتعة، أو التواصل مع الآخرين، أو حتى السعي لتحقيق إنجاز ما.
والحقيقة “فإن الأشخاصَ الأكثر سعادة يشعرون بالامتنان لحياتهم ويريدون الاهتمام بما يثريها”، وهي مقولةُ أكدتها كثير من الأبحاث والدراسات، كان من بينها سؤال طرحه موقع Greater good Science Center حيث تشير دراسة بحثية جديدة إلى أن الدول الأكثر سعادة تميل إلى الاستهلاك بطريقة أكثر استدامة بيئيًّا.
ووفقًا لهذه الدراسات فالاستدامة تعني تلبية احتياجاتنا الحالية لحياة جيدة دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة، على أن التركيز على سعادتنا في الحاضر قد تكون له تكاليف بيئية في المستقبل، فلقد وجد الباحثون من خلال تحليل البيانات أن البلدانَ الأكثرُ سعادة تستهلك بشكل عام أكثر من البلدان الأقل سعادة، وعلى الرغم من تلك الاستدلالات تؤكد النتائجُ أن السعادةَ لا تضرُ بالاستدامة، بل على العكس فالسعادة والاستدامة يسيران جنبًا إلى جنب، فعلى الرُغمِ من أنها تستهلك المزيد، فإن البلدان الأكثر سعادة كانت أيضًا أفضل في الوصول إلى أهداف الاستدامة.
وأعرب عن طموحه في الوصول إلى عدد من التوصيات مع ختام المؤتمر تسهم في تحقيق السعادة الحقة للفرد والمجتمع بتفعيل دور البيئة في تعزيز ذلك الشعور.

الجغرافيون يرسمون السعادة البيئية
وتحدث الدكتور محمد السديمي عن جغرافية السعادة، مشيرًا إلى الدور البارز الذي يلعبه الجغرافيون في رسم السعادة البيئية للبشر، موضحًا أن السعادة لها بعدان؛ بعد فطري لها علاقة بتمييز الله لبعض مناطق الأرض، والبعد الآخر هو دور الإنسان في الحفاظ على تلك البيئة.
وذكر السديمي أن عددًا من الكتاب والمؤرخين قد تناولوا عوامل التأثير في الإنسان، وعلى رأسها البيئة والدين والحكومة السياسية، والعامل الجغرافي له دور أساسي في تحقيق السعادة للإنسان.
وأكدً أن الديمقراطية مدخل من مداخل السعادة، ولكن الأهم منها التعاون للعمل على تحقيق السعادة، وضرورة دمجها في حركة التنمية، والنظر إلى تحليل المناخ والتربة وتصنيف السكان وتغيير مفهوم المركز والأطراف واستراتيجية التخطيط، بما يوفر للدولة ما يسمح بإعادة تصنيف أسباب السعادة .

“البيئة والسعادة”

تحدث فيها الدكتور عادل ياسين أستاذ العمارة بجامعة عين شمس، عن مفهوم السعادة في علوم الفلسفة والاجتماع، حيث قال إن الفلسفة ترى أن السعادة يمكن أن تفهم كغاية أخلاقية للحياة، أو كشكل من أشكال الصدفة، وقد يرادف مصطلح السعادة مصطلح الحظ في كثير من اللغات الأوروبية، ورغم وجود مفهوم السعادة عند فلاسفة آخرين قدماء، فقد ظل ينظر إليها على أنها نوع معين من التناغم والانسجام بين الرغبات والأهداف.

وأضاف ياسين أن السعادة في مصر مقترنة بالمتعة، ففي الزواج مثلًا هناك متعة، وإذا دام التفاهم والرضا أصبح هنا الزواج سعادة.

وأشار إلى أن 2012 هو عام بداية اهتمام المصريين بالسعادة، وعن الإحصائيات التي تمحورت حول السعادة فقد أشار إلى تجربة فنلندا، والتي تعد أسعد الدول لست سنوات على التوالي، كما أشار إلى تجربة نيوزيلندا وأستراليا والسويد كدول على رأس قائمة مؤشر السعادة في العالم.

ثم تحدث عن السعادة والبيئة، مشيرًا إلى أهمية الطبيعة، بما تحتوي من النباتات، وانتشار اللون الأخضر، فكلما أضفنا إلى الكتل الخرسانية مساحات خضراء شعرنا بالراحة والهدوء النفسي.

وعن عناصر قياس السعادة في بعض الأحيان يكون المال هو العنصر الأهم، في معظم الإحصائيات التي تمت في هذا الشأن، ولكن يرفض تلك النظرية، كما يرفض أن يكون المال هو السبب الأساسي للسعادة، فمن وجهة نظره الشخصية الصحة مثلًا أهم كثيرًا من المال، ثم يأتي الرضا كعامل رئيس في تحقيق الشعور بالسعادة.

وعن السعادة في علم النفس قال إن هناك الكثير من المراجع في شتى فروع علم النفس، ولا سيما علم النفس الإيحائي، وبه من الأبحاث الكثير مما وصل إليه العلم في مجال السعادة وتأثيرها الإيجابي، وكذلك تأثيرها في النشاطات الإنسانية عامة، وعلى كثير من الخصائص بوجه خاص مثل المجال العمراني.

ثم تحدث عن تقرير السعادة العالمي الأول في أول أبريل 2012، والذي كان عنوانه “السعادة والرفاه.. تحديد نموذج اقتصادي جديد”، وتتضمن تلك التقارير فكر كبار الخبراء في العديد من المجالات كالاقتصاد وعلم النفس، والتحاليل الاستقصائية والإحصاءات الوطنية إضافة إلى وصف كيف يتم قياس الرفاه، وكيف يمكن استخدامها على نحو فعال لتقييم التقدم المحرز في الأمم.

كما ينظم كل تقرير المسائل المتعلقة بالسعادة، بما في ذلك الأمراض العقلية والفوائد الموضوعية للسعادة، وأهمية الأخلاق والآثار المترتبة على السياسات والروابط، مع نهج منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لقياس الرفاه الشخصي وتقرير التنمية البشرية.

وعن أنواع السعادة فقد أشار إلى أنها تنقسم إلى نوعين أساسيين يعتمدان على مستوى المؤثرات المحفزة لها، فهناك السعادة قصيرة المدى، وهي التي تستغل فترات وجيزة من الزمن، وهناك السعادة طويلة المدى، وهي عبارة عن سلسلة من بواعث ومحفزات السعادة قصيرة المدى، وهي عادةً في تجدد دائم، وتؤدي دورها في التجديد والتحفيز المستمر.

وعن متطلبات السعادة قال ياسين إنها تختلف باختلاف جوانب الحياة البشرية، فهناك السعادة التي يحصل عليها الفرد بتلبية الحاجات والجوانب المادية، وهناك سعادة بإشباع الجوانب المعنوية، ومن أبرز هذه المتطلبات: الاكتفاء المادي والحصول على الدخل الذي يلبي الحاجات الأساسية والضرورية للفرد، والتحلي بالصحة البدنية، ووضع الأهداف وتحديدها بحيث تكون أهدافًا واقعية قابلة للتحقق، وكذلك تحلي الفرد بالأنماط السلوكية السوية والسليمة بشكل عام، وقدرة الفرد على التغاضي والتجاهل للمثيرات السلبية.

وهناك عدة عوامل تصل بالشخص للسعادة، ومنها: الثقة بالنفس وتقدير الذات، والإحساس بإمكانية السيطرة والتحكم بحالة الحياة النفسية والذاتية للفرد، وكذلك الإنجاز والقيام بالأعمال الجيدة والمفيدة بشكل مستمر، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الترفيهي الذي يدخل السرور والبهجة على النفس البشرية، وكذلك الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية الودودة والدافئة.

اظهر المزيد
%d مدونون معجبون بهذه: