الإعلامية دينا شرف الدين تكتب (مصر على مر العصور) الفتح الإسلامى لمصر

( مصر علي مر العصور)      

              “الفتح الإسلامي لمصر”فتح مصر641م

كتبت/ الإعلامية دينا شرف الدين 

كان أهل مصر علي عهد للدولة البيزنطية يعيشون في ظلم مرير، فالمسيحيون المصريون الذين كانوا علي مذهب يعقوب البردعي الذي يقوم علي مبدأ وحدة طبيعة المسيح الإلاهية قد تعرضوا للاضطهاد من قبل الروم البيزنطيين الذي كانوا علي مذهب الملكاتي و الذي يقوم علي مبدأ ثنائية طبيعة المسيح.و كانت كذلك الأوضاع السياسيَّة في مصر مُضطربة نتيجة قُرونٍ من الاستغلال الروماني والبيزنطي ‘ فقد اتَّصف الحُكمُ الرومانيُّ لِمصر بالتعسُّف، وبرع الرومان في ابتكار الوسائل التي تُتيح لهم استغلال موارد البلاد. ففرضوا على المصريين نُظُمًا ضريبيَّةً مُتعسِّفة شملت الأشخاص والأشياء والصناعات والماشية والأراضي، ليضيق المصريُّون ذرعًا بها إذ قاموا بِعدَّة ثورات ضدَّ الحُكم الروماني كانت أشهرها تلك التي قامت في عهد الإمبراطور ماركوس أورليوس ،وتُعرف بِحرب الزراع أو «الحرب البوكوليَّة» نسبةً إلى «بوكوليا» الواقعة في شمالي الدلتا، ولكنَّ سرعان ما كان الرومان يقضون على تلك الثورات في كُل مرَّة، وبعد انقسام الإمبراطوريَّة الرومانيَّة إلى قسمين شرقي وغربي، حيث تبعت مصر الإمبراطوريَّة الشرقيَّة أو «البيزنطيَّة». 

إذ كان الحُكمُ البيزنطيُّ لِمصر، مُباشرًا ومُستبدًا، يُدارُ بواسطة حاكمٍ يُعيِّنهُ الإمبراطور ، وكانت مصر، بوصفها مُرتبطة مُباشرةً بالحُكم المركزي، تتأثر بما كان يحدث في البلاط البيزنطي من صراعاتٍ ومُؤامراتٍ من أجل السُلطة. 

فتعرَّض المصريّون لِأشد أنواع المُضايقات في عهد الإمبراطور فوقاس (٦٠٢-٦١٠ م ) الذي اشتهر عهده بالمُؤامرات والاغتيالات، ما أدَّى إلى انتشار الفوضى والتفكَّك البطيء في الحُكومة والمُجتمع. 

وقد تأثَّرت مصر بِذلك، فامتلأت أرض الصعيد بِعصابات اللُصوص وقُطَّاع الطُرق، وغزاها البدو و أهل النوبة واضطربت أوضاع مصر السفلي أيضًا وأصبحت ميدانًا للشغب والفتن والثورات بين الطوائف ، و التي كانت توشك في بعض الأحيان أن تتحوَّل إلى حروب أهلية ، وانصرف الحُكَّام إلى جمع المال لِخزينة الإمبراطوريَّة بِغض النظر عن مشروعيَّة الوسائل أو عدم مشروعيَّتها، فعمت الثورة أنحاء البلاد.

و بعد تعرض الإمبراطوريَّة الرومانية للهزيمة في هذه الأثناء في البلقان و آسيا الصغري و الشام واجتاحتها الجُيوش الفارسيَّة الساسانيَّة، ثُمَّ شرع الفُرس بغزو مصر ، فسقطت الإسكندريَّة في أيديهم سنة ٦١٩ م ، لتصبح مصر كُلَّها بعد ذلك تحت حكمهم ،شعر المصريّون آنذاك بِحُريَّة لم يعهدوها من قبل في ظل حُكم فوقاس، ذلك أنَّ الفُرس تركوا لهم أمر الحُكم على نحوٍ من اللامركزية المألوفة في بلادهم، وأسقطوا عنهم كثيرًا من الأعباء التي كانت تُرهقهم ، استمرت الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة بالسير في طريق الانحدار، ولم يُنقذ الموقف إلَّا ثورة حاكم أرخونيَّة إفريقية هرقل الأكبر، على حُكم فوقاس، وانحازت إليه مصر، حيث نجح في خلع فوقاس وتولّى ابنه هرقل الأصغر الحكم ، و الذي نهض لِقتال الفُرس، واستردَّ ما فقدته الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة على أيديهم، فاستعاد الشَّام ومصر، و كان هرقل حريصًا على أن يستقطب المصريين، و يكافئهم على ما قدَّموه من خِدمة للإمبراطوريَّة، لكن سُرعان ما خاب أملهم، فقد عاد الحُكم البيزنطي إلى سيرته الأولى من التعسُّف، ممَّا أدّى إلى التباعد بين الشعب وحُكَّامه، و استمر القمع الذي ارتبط بِآخر الحُكَّام البيزنطيين، (المُقوقس)، حيث سعى إلى تنفيذ برنامج هرقل لتدعيم مركزيَّة النظام بِضرب المذاهب المُتعارضة مع المذهب الرسمي للدولة.

وقد كانت أهم الدوافع لفتح مصر هي،

نشر الإسلام ، فقد سبق في عهد النبي محمد صلي الله عليه وسلم دعوة المقوقس إلى الإسلام سلميًّا، وعاود أبو بكر الصديق دعوته بعد أن تولّى الخِلافة، فأرسل إليه الصحابي ، و كذلك في عهد عمر بن الخطاب ، فما كان من المقوقس إلَّا أن اكتفى بالرد الحسن، إذ كانت الدعوة إلى الإسلام في مصر مُستحيلة دون مُواجهة الروم. 

هذا إلى جانب أن مصر تمثل مكانةً كبيرةً لدى المُسلمين بسبب ذكرها عدَّة مرَّات في القُرآن، وارتباطها بِأحداثٍ محوريَّة وبأشخاصٍ يجُلُّهم المُسلمون، وفي مُقدمتهم النبيين يوسف و موسي ، وهاجر أُم النبيّ إسماعيل، وماريَّة القبطيَّة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ، إلى جانب تبشير النبيّ مُحمَّد للمُسلمين بفتحها وتوصيته بأهلها خيرًا، فكانت كل تلك الأسباب من شأنها أن تجعل المُسلمين حريصين على ضمِّها إلى دولة الخِلافة

– و لأن مصر كانت امتدادًا طبيعيًّا للشام التي فتح المُسلمون أغلبها، وقد انسحب إليها الأرطبون صاحب بيت المقدس لإعادة تنظيم صُفوفه واسترجاع الشَّام مرَّة أخرى، الأمر الذي جعل المسلمين يُسارعون في دُخول مصر، إذ كان فتح مصر ضرورة حربيَّة مُلحَّة استكمالاً لِفتح الشام ، وأيضًا خوفًا من أن يُهاجم البيزنطيون دار الخلافة في الحجاز عن طريق البحر الأحمر .

كان عمرو بن العاص قد زار مصر من قبل في تجارة له، و عندما تولي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة، فاتحه عمرو في أمر فتح مصر أكثر من مرة، حتي وافقه عمر ، 

 

فقد اقتنع بِفكرة عمرو بِضرورة الزحف من الشَّام إلى مصر، فعهد إليه بِقيادة العمليَّة ووضع بِتصرُّفه ثلاثة آلاف وخمسُمائة جُندي، وقيل أربعة آلاف أو خمسة آلاف،وطلب منهُ أن يجعل ذلك سرًّا ، 

وهكذا سار عمرو بن العاص إلى مصر مُخترقًا صحراء سيناء ومُتخذًا الطريق الساحليّ، ومع ذلك بقي عُمر بن الخطَّاب مُترددًا، حتَّى يبدو أنَّهُ عدل عن موافقته فأرسل كتابًا إلى عمرو بن العاص وهو برفح فلم يستلمهُ ويقرأهُ إلَّا بعد أن دخل حُدود مصر.

ويعتقد البعض أنَّها كانت حيلةً بارعةً من ابن العاص جعلته يزحف نحو مصر دون أن يُخالف أمر الخليفة، وقيل أنَّ عمرو بن العاص سار إلى مصر من تلقاء نفسه، ثُمَّ استأذن عُمر بن الخطَّاب، وقيل لم يستأذنه، فغضب عليه وأرسل إليه الكتاب المذكور، فلم يقرأه إلَّا بعد دُخوله مصر، 

ما يؤكد شغف ابن العاص و رغبته الشديدة بفتح مصر.

                    للحديث بقية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة