اللواء الدكتور سمير فرج يكتب سوريا الجريمة … إلى أين ؟
سوريا من الربيع العربى إلى الخريف العربى


سوريا الجريمة.. إلى أين؟
لواء دكتور/ سمير فرج
سوريا الحبيبة، أجمل بلاد الشام بشعبها الطيب الجميل، والتي كانت في يوم من الأيام جزءًا من مصرنا حبيبة، حيث كانت سوريا الإقليم الشمالي، ونحن هنا الإقليم الجنوبي في جمهورية مصر العربية.
ذلك الشعب السوري العظيم، الذي آمن بالقومية العربية والوحدة العربية، هذا الشعب الذي يُحكى عنه أنه رفع سيارة الزعيم المصري جمال عبد الناصر في شوارع دمشق، عندما زار سوريا أيام الوحدة سوريا، التي سمعنا عنها أجمل الأغاني، أيام الوحدة وعندما حدث الانفصال، ظلت سوريا العربية تمثل أحد ركائز دول الطوق حول إسرائيل، مع مصر والعراق.
وفجأة، تغيرت الأحداث بعد ما يُعرف بأحداث “الربيع العربي” – والتي أُطلقت عليها أنا “الخريف العربي” – الذي سقطت فيه كل أوراق العالم العربي، خاصة سوريا، حيث اجتاحت “داعش” الإرهابية بلاد الشام، وخاصة في العراق وسوريا، وبدأت تظهر بوادر تفكيك لوحدة الأراضي السورية. بل وزادت الطين بلّة بعد رحيل بشار الأسد، (رغم ما له وما عليه(. وتولى احمد الشرع أمور البلاد.
إذا نظرنا إلى الوضع في سوريا الآن، نجد أنها لم تعد تحت سيطرة إيران، وأعتبرها انا أحد مكاسب الشعب السوري، ولكننها أصبحت تحت الهيمنة التركية، وبالطبع السيطرة الأمريكية الكاملة، حينما قامت وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) باختيار وتنصيب “أبو محمد الجولاني” – زعيم جبهة النصرة – الذي كانت الولايات المتحدة قد رصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لأي معلومات تؤدي إلى القبض عليه، ليصبح الآن رئيسًا لسوريا باسم احمد الشرع.
والحقيقة أن سوريا تختلف عن معظم البلاد الغربية، بسبب تكوينها الديموغرافي (السكاني)، وهو ما يسبب لها العديد من المشاكل حاليًا ومستقبلًا.
في البداية نأتي إلى القبائل السورية، أو ما يُطلق عليها العشائر السورية، وهم 13 عشيرة: قبيلة النعيم، وقبيلة العقيدات، وقبيلة الجبور، وقبيلة بني خالد، وقبيلة شمر، وقبيلة عنزة، وقبيلة العوامر، وقبيلة طي، وقبيلة البو شعبان، وقبيلة الموالي، وقبيلة البكارة، وقبيلة الجيس، وقبيلة السلمى.
وهذه العشائر لها قوانينها وأعرافها، بل وحتى تسليحها، والشيخ (زعيم) القبيلة له سلطان على قرار القبيلة والأراضي التي يسيطر عليها، يفوق في بعض الأحيان سلطات الدولة.
ومن هذا المنطلق، فإن الدولة السورية تخضع لهذه الأعراف والتقاليد لتلك العشائر.
وبعدها تأتي طائفة العلويين، المتواجدين في الساحل السوري على البحر المتوسط (اللاذقية، طرطوس)، ويشكلون 11% من الشعب السوري. ويُعتبر اسرة الأسد، التي حكمت سوريا عدة عقود، من العلويين، وهم من الإسلام الشيعي، ومع بدء تولي أحمد الشرع مقاليد الأمور، اندلعت شرارة الغضب هناك، ونجحت قوات الأمن في السيطرة على الموقف، ولكن لا زالت الشرارة تحت الرماد يمكن أن تشتعل في أي وقت.
ويأتي في المرتبة الثالثة الأكراد أو “قسد” – قوات سوريا الديمقراطية – وهو تحالف متعدد الأعراق والأديان، يشمل الأكراد وبعض الجماعات التركمانية، والأرمنية، والشركسية، والشيشانية.
وعمومًا، فإن الأكراد يشكلون 40% من “قسد”، والعرب 60%. وقد نجحت قسد في القضاء على عناصر داعش بمعاونة الولايات المتحدة، وحاليًا تطلب نوعًا من “الفيدرالية المرنة”، لذلك تُعتبر قسد حاليًا هي أكبر تحدٍ للإرادة السورية، وتحصل على دعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية.
ويأتي العنصر الرابع في التكوين الديموغرافي السوري، وهم الدروز، وهم طائفة دينية عربية، تدين بمذهب التوحيد، الذي تعود أصوله إلى المذهب الإسماعيلي، وهو أحد المذاهب الإسلامية.
يعيش الدروز في منطقة السويداء بسوريا، وفي لبنان وإسرائيل والأردن، ويشكلون حوالي 3.2% من سكان سوريا.
كما تحصل “قسد” على دعم أمريكي، فإن الدروز كذلك يحصلون على الدعم والحماية من إسرائيل، ويعيش الدروز السوريون في نواحي دمشق وجبل حوران، في الجنوب الغربي من محافظة السويداء.
لقد حدث مؤخرًا اشتباكات في أحياء مدينة السويداء بين عشائر البدو المسلمين والدروز. دعت إسرائيل للتدخل، وقامت بقصف رئاسة الأركان السورية في دمشق، ويأتي بعد ذلك العناصر في التكوين الديموغرافي السوري: والمسيحيين الذين يشكلون ٣٪ ، العرب، السنة، من الشعب السوري.
ويأتي بعد ذلك التدخل الإسرائيلي اتجاه سوريا، حيث نجحت إسرائيل في الأيام الأولى لوصول أحمد الشرع للسلطة بالقضاء على القوات الجوية والبحرية والدفاع الجوي السوري، واستولت على باقي منطقة مرتفعات الجولان وجبل الشيخ، خاصة أن إسرائيل سبق لها أن أعلنت ضم الجولان لها بقرار من الكنيست، وأيّدها الرئيس ترامب في ذلك.
وحاليًا، فإن إسرائيل ترى أن منطقة جنوب سوريا في المحافظات الثلاث: السويداء، ودرعا، وباقي الجولان في منطقة القنيطرة، هي مناطق تسمح بوجود القوات السوريا فيها.
وفي شمال سوريا، نجد تركيا ما زالت تحتفظ بشريحة بعمق ٢٠ كم داخل الأراضي السورية، لمنع أكراد سوريا من الانضمام إلى أكراد تركيا.
وما زالت لروسيا قاعدة عسكرية بحرية وجوية في طرطوس وحميم في الغرب السوري، وما زالت للولايات المتحدة قاعدة عسكرية في منطقة التنف.
وهكذا، أصبحت سوريا دولة ممزقة، سواء من عناصرها الديموغرافية، أو من حيث تداخل سوريا، وتركيا، وأمريكا، وإسرائيل.
لذلك، يظهر السؤال دائمًا: سوريا والجريمة… إلى أين؟