محتوى يثير الفضول ويهدم القيم المجتمعية.. حين تحوّل بعض صُنّاع المحتوى من الترفيه إلى تسليع الجريمة
تحوّل عدد متزايد من صُنّاع المحتوى المصريين على موقع “يوتيوب” خلال السنوات الأخيرة من هدف الترفيه أو التثقيف إلى ما يشبه “جريدة الحوادث” الرقمية، حيث أصبحت قنواتهم تمتلئ بقصص الخيانة الزوجية، وزنا المحارم، والعلاقات المحرّمة، وجرائم القتل.
هذه الموضوعات تُقدَّم غالبًا بأسلوب مثير وصادم، يجذب ملايين المشاهدات، لكنها في المقابل تزرع صورة ذهنية مشوهة عن المجتمع المصري، وتُظهره كما لو كان غارقًا في الانحراف الأخلاقي والعنف الأسري
وهذه الموضوعات تُقدَّم في إطار مثير يترك طابعًا مدنيًا أخلاقيًا دخيلًا لا ينتمي إلى القيم المجتمعية المصرية الأصيلة، مما يساهم في تشويه الهوية الثقافية وإضعاف الحس الأخلاقي العام لدى المتابعين.
خاصة أن المواقع مفتوحة لجميع الأعمار، مما يجعل الأطفال والمراهقين عرضة لتلقي أفكار خاطئة ومشوشة حول العلاقات الأسرية والأخلاقية، وهو ما ينعكس سلبًا على سلوكهم النفسي والإجتماعي في مراحل النمو المختلفة.
والأخطر أن بعض اليوتيوبرز يوظفون شخصيات من ضباط أو لواءات شرطة سابقين في سرد الوقائع والجرائم، ما يمنح القصص مظهرًا واقعيًا يوهم الجمهور بالمصداقية.
ورغم أن نهاية الحكايات غالبًا ما تُختتم بإنتصار القانون وظهور الحق — كما في الأفلام العربية القديمة — فإن الطريقة التي تُعرض بها هذه القصص تُركّز على الإثارة والعنف بهدف جذب المشاهدات وتحقيق الأرباح، لا بهدف التوعية أو الإصلاح.
إنها حالة من الإنتماء للفكرة على حساب القيمة، وهدم تدريجي لمنظومة القيم المجتمعية المصرية التي طالما قامت على الأخلاق والمسؤولية والإحترام المتبادل.
تطبيع الرذيلة عبر الشاشات
يرى خبراء الإعلام والإجتماع أن هذا النوع من المحتوى يساهم في تفكيك منظومة القيم الأسرية، من خلال تقديم السلوكيات المنحرفة في شكل درامي أو واقعي جذّاب يجعلها مألوفة للمشاهد، وخاصة بين فئة الشباب والمراهقين.
ويحذر المختصون من أن تكرار هذا النمط يؤدي إلى تطبيع الرذيلة ونزع الحس الأخلاقي العام، وهو ما يشكل خطرًا على الوعي الجمعي للمجتمع.
نداء عاجل للجهات المعنية
تتطلب هذه الظاهرة تحركًا عاجلًا من وزارة الداخلية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لوضع هذه القنوات تحت الرقابة، والتأكد من مدى إلتزامها بالمعايير الأخلاقية والقانونية، ومتابعة مصادر تمويلها وأساليب عرضها.
فما يُقدَّم على المنصات العامة لا يجب أن يتحول إلى محتوى يروّج لإنتهاك القانون أو زعزعة القيم المجتمعية المصرية أوتشوية الهوية الثقافية للمجتمع.
ضرورة الدراسة والتحليل
كما يُوجَّه نداء إلى مركز البحوث الإجتماعية والجنائية لإجراء دراسة علمية موسعة حول الظاهرة، تشمل تحليل أسباب انتشار هذا المحتوى، ودوافع الجمهور لمتابعته، وتأثيراته النفسية والسلوكية.
نتائج هذه الدراسة ستكون خطوة أولى لوضع إستراتيجية وطنية للتعامل مع المحتوى الضار على المنصات الرقمية.
ختامًا الحرية مسؤولية
لا أحد يعارض حرية التعبير أو الإبداع، لكن الحرية لا تعني الفوضى، والمشاهدات لا تبرر الانحراف عن القيم.
ما يحتاجه المجتمع اليوم هو إعلام رقمي مسؤول، قادر على موازنة جذب الإنتباه مع نشر الوعي، والتمتع بالترفيه مع تعزيز البناء والقيم، ليظل المحتوى المصري رمزًا للثقافة والوعي، لا أداة لإثارة الغرائز أو تقويض الأخلاق المجتمعية.